فلينظر الإنسان إلى طعامه

اهتمَّ الإسلام بغذاء الإنسان اهتمامًا لَمْ يسبقه إليه أيُّ تشريع سابق، مِنْ حَيْثُ إنَّ الغذاءَ الصِّحِّيَّ يشكِّل جانبًا مُهمًّا لِصحَّة الإنسان؛ولذلك لم يخلُ كتاب من كتب الفقه الإسلاميِّ مِنْ باب يسمى باب الأطعمة والأشربة، ونسمِّيه الآن علم التَّغذية. ورُبَّما نشأ هذا الباب والاهتمام به من كون الإسلام يحرِّم تناول بعض الأطعمة، ويترك كثيرًا منها مُباحًا للمسلم يتناول منها ما يشاء. بل ويحثُّ الإسلام على تناول بعض الأطعمة، وهو في هذا لا يختلف في تنظيمه عن العلوم الحديثة في أنَّه لا يقْصُرُ تعاليمه على الجانب المادِّيِّ من بناء الجسم، بل يهتمُّ أيضا بالجوانب الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة الَّتي لا غِنَى للمسلم عنها.

تناول القرآن الكريم «الطَّعام وما يتعلَّق به» في آيات كثيرةٍ، ومِنْ ذلك الأطعمة والأشربة الحلال منها والحرام، وآداب الطَّعام، وأنواع الطَّعام من الفواكه، والخضر، والحبوب، واللُّحوم. ولكن هَلْ يدري الإنسان كَيْفَ يخلق ما يأكله هو وما يعيش معه من مخلوقات أخرى. إنَّ في ذلك حِكمًا وقدرة بالغة يَلْفت إليها القرآن الكريم. وقدْ وردتْ آيات قرآنيَّة تعرِّف المسلم بها. وعلى الرَّغم مِن غياب الحكمة من التَّحريم، إلّا أنَّ تقدُّم العلم الحديث كشف لنا كثيرًا من الفوائد الَّتي تعود على الفرد الَّذي يَمتثِلُ (يطيع) لهذه الأوامر الإلهيَّة، وعرَّفته سوء العاقبة، وما يترتَّب (ينتج) على تناولها من أمراض، ذلك قوله تعالى:} المائدة (3).

المَيْتة هي الحيوان الَّذي يموت بسبب كبر سنه أو مرضه؛ فالحيوان الَّذي يموت لكبر سنه لا يستنزف دمه الحامل لكلِّ إفرازات الجسم السَّامة والَّذي يتخلَّص منه في حالة ذبحه. وأمّا إذا مات بسبب المرض، فقدْ يتعرَّض الإنسان للعدوى، إمّا بانتقال الميكروب مباشرة من لحمه، وإمّا عن طريق السُّموم الَّتي يفرزها ميكروب المرض، والَّتي لا يقضي عليها (يقتلها ويزيلها) الطَّهو، وهي تسبب التَّسمُّم الغذائيَّ. وقد أثبت العلم أنَّ هناك أمراضًا تصيب الحيوان، وتنتقل منه إلى الإنسان كمرض السُّلِّ البقريِّ، والجمرة الخبيثة، وهي مِْن أمراض الحيوانات كالغنم، والإبل، والخيول وغيرها. ويُسَبِّبُ هذا المرض جرثومةٌ تُحدث قُروحًا (جروحًا) مُزمنة على الوجه واليدين. وتشبه أعراضها أعراض التَّسمُّم الميكروبيِّ بالطَّعام مِن قَيْء، وإسهال، وتشنُّجات. وهناك أيضًا مرض جنون البقر ذلك الَّذي ظهر في وقت مضى في بريطانيا وبعض الدُّول الأوروبيَّة.

أمّا الدَّم فقد حرَّمه الإسلام؛ لأنَّه ينقل كلَّ ما يفرزه (يخرجه) جسم الحيوان بما في ذلك الميكروبات (الجراثيم) والسُّموم؛ ولهذا فقد أوجب الإسلام الذَّبحَ الشَّرعيَّ للتَّخلُّص مِن هذا الدَّم الَّذي ينقل إلى الإنسان التهاب الكبد، ومن مضاعفات هذا المرض حدوث تليُّف الكبد.

أمّـا المُنْخنقة؛ فمن المعروف علميًّا أنَّ الكائن الحيَّ إذا اختنق؛ أي منع دخول الأكسجين إلى رئتيه، فإنَّ مادَّة ثاني أوكسيد الكربون السَّامة تتراكم (تتجمَّع) في الجسم، كما تتراكم كلُّ السُّموم الَّتي تخرج عادة مع النَّفس في الزَّفير، وتخرج أيضا مع خروج الدَّم في حالة الذَّبح؛ ولذلك إذا احتبستْ (لم تخرجْ) في جسم الحيوان، فإنَّها تؤدِّي إلى تسمُّم لحمه.

والمَوْقوذَة: هي الحيوان الَّذي يُضرَبُ ضربًا يؤدِّي إلى الموت بعد أن يُتلِفَ الضَّربُ أنسجة الجسم وعضلاته. والنَّطيحة والمتردِّية: هي الحيوان الَّذي يموت بسبب حادث أو سقوط، وكلاهما يفسد لحمه، كالضَّرب المفضي (الَّذي يؤدِّي) إلى الموت. أمّا ما أكل السَّبُعُ: فكثير مِن الحيوانات المفترسة تكون مصابة بمرض يظهر في فمها ولعابها، وتنتقل آثاره إلى اللَّحم، فتؤذي من يأكله بالمرض أو بالموت.

أمّا لحم الخنزير: فهناك كثير مَنْ الطُّفيليَّات الَّتي ينقلها هذا الحيوان؛ لقذارته مثل الزُّحار (الدّوسنتاريا) وتعيش في أمعاء الخنزير، ويعتبر أهمَّ مصادر العدوى، ويكثر في المناطق الَّتي تنتشر فيها تربية الخنازير ويكثر تداولها. إضافة إلى الأمراض الَّتي يُسبِّبها أكل لحم الخنزير، مثل: الدّودة الشَّريطيَّة الَّتي تعيش لتمتصَّ الطَّعام الجاهز مِن الأمعاء، وتسبب كثيرًا من الأوجاع (الآلام). كما ينقل لحم الخنزير الدّودة الشَّعريَّة الحلزونيَّة الَّتي تؤدِّي إلى شلل العضلات التَّنفسيَّة أو إصابة القلب ولا علاج لها. إضافة إلى أمراض أخرى منها: تصلُّب الشَّرايين، وآلام المفاصل، وهذه سببها ارتفاع نسبة الشُّحوم، وارتفاع حامض البول.

en_USEnglish